الاثنين، 23 ديسمبر 2013

بحث قصير حول الجناس في اللغة العربية



                          الـــمـــقــــدمــــة



لقد تتبع المؤرخون المعاصرون للبلاغة العربية تطور كلمة البديع ودخولها ميدان الدراسات البلاغية .فأشاروا إلى الخلاف بين القدامى على الذين استعملوا مصطلح البديع أول مرة. فقد ذكر الجاحظ أن الرواة هم الذين أطلقوا مصطلح البديع أول مرة على مستطرف الجديد من الفنون الشعرية وعلى بعض الصور البيانية التي يأتي بها الشعراء في أشعارهم فتزيدها حسنا وجمالا . في حين أن أبى فرج الأصفهاني صاحب كتابالأغاني ذكر أن شاعر عباسي مسلم بن وليد كان أول من أطلق هذا المصطلح .
ويعد البديع أول كتاب في تاريخ البلاغة العربية . يرصد بأكمله القضايا والمباحث البلاغية ويستخدم ابن معتز مصطلح البديع كمدلوله العام . أي بما يشمل كل الصور والأساليب البلاغية الطريفة وليس بمدلوله البلاغي الخاص الذي تحدد له في ما بعد على اليد السكاكي والذي ينحصر لبديع طبقا لمفهومه في مجموعة من المحسنات اللفظية والبديعية . وللبديع أقسام كثيرة ومن بين هذه الأقسام ما يعرف بالجناس

1 تـــــعـــريـــفـــه
                                        
هو تشابه الكلمتين في اللفظ . واختلافهما في المعنى . ويسميه بعض العلماء التجنيس أو الأجناس يقول أبو عبيد القاسم بن يلام الأجناس من الكلام العرب ما اشتبه في اللفظ ، واختلف في المعنى 1 . وعرفه العلوي فقال هو أن تتفق اللفظتان في وجه من الوجوه ويختلف معناهما 2 . الطراز = ج 2 / 356
ونذكر على سبيل المثال الشاعر أبو نواس حيث قال :
عباس عباس إذا احتدم الوغى           والفضل فضل والربيع ربيع
ونجد الجناس في قوله تعالى : ) والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ( القيامة  29 /30
وان من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : ) الخيل معقود بنواصيها الخير(
2 أقسامه :
للجناس أقسام كثيرة . ولكنه بصورة عامة ينقسم إلى تام وناقص
أالجناس التام : ويسمى الجناس الكامل أو المستوفي . وهو أن تتفق الكلمتان في لفظهما ووزنهما وحركتهما ولا يختلفان إلا من جهة المعنى . ويسمى هذا الجناس الذي توفرت فيه هذه الأمور بالجناس التام .
ومن أمثلة عن ذالك يقول تعالى : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة (الروم : 55.
إذا قرأنا الآية الكريمة وتأملنا فيها . يسترعي انتباهنا لفظة ساعة تكررت مرتين لكن اختلفتا في المعنى . إذ معنى الساعة الأولى : يوم القيامة . ومعنى الساعة الثانية الساعة الزمنية
ـــــــــــــــــــــــــــ
1 كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري= 321
2 الطراز : ج 2 /356
 ---------------------------------------
ويقول الشاعر في رثاء صغير اسمه يحي :
وسميته يحي ليحي فلم يكن               إلى أمر الله فيه سبيل
وقال البارودي :
تحملت خوف المن كل رزيئة          وحمل رزايا المن أحلى من المن
المن الأول والمراد بها تعداد المعروف للشخص المحسن إليه . والمن الثانية والمراد بها العسل  .
يقول القاضي الفاضل :
عظم الدهر بنابه                      ليت ماحل بنابه .
فالكلمة المتكررة هي لفظة بنابه إذا تكررت مرتين فالمراد باللفظة الأولى احد انيا الإنسان وأن الثانية : بنابه مركبة من )بنا ( و )به( .
قال أبو تمام :
مامات من كرم الزمان فانه         يحيا لدى يحي بن عبد الله
فكذالك بالنسبة لكلمة يحي . يراد بالأولى فعل المضارع من الحياة ويحي الثانية : اسم علم .
قال البستي :
إلى حتفي سعى قدمي            أرى قدمي أراق دمي
قال المتنبي عن سيف الدولة :
سما . وحمى بي سام وحام  
                            فليس كمثله سام وحام
قال شاعر :
فلم تضع الأعادي قدر شاني
                          ولا قالوا فلان قد رشاني
وقال شمس الدين الكوفي :
إنسان عيني مذ تناءت داركم
                             ماراقه نظر إلى إنسان
فكل هذه الأمثلة هي للجناس التام وذكرنا أن التام هو ما تنفق فيه الفضتان في لفظهما ووزنهماوحركاتهما وشكليهما
الآن لننظر إلى المثال التالي :
يقول تعالى : وهم ينهون عنه وينئون عنه (   الأنعام : 26
نلاحظ أن اللفظتين ينهون وينئون اختلفتا في الحروف على الاختلاف مع الأمثلة السابقة ويسمى هذا بالجناس الناقص

2 – تعريفه
الجناس الناقص هو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأمور المتقدمة في الجناس التام .
واليك أمثلة موضحة :
يقول تعالى : ذالكم بما كنتم تفرحون بغير الحق . وبما كنتم تمرحون غافر : 75 فلفظتين تفرحون وتمرحون اختلفا في نوع الحروف حيث ان الحرف الثاني فيهما ليس من جنس واحد وأيضا قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة( القيامة 22/23
وقوله تعالى  : ويل لكل همزة لمرة . الهمزة 1
وقال صلى الله عليه وسلم : الخيل معقود في نواصيها الخير –رواه البخاري  -- فهو ناقص لأن اللفظين الخيل والخير اختلفا في نوع الحروف حيث أن الحرف الأخير فيهما ليس من جنس واحد
وقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي ''
وقال ابن الفارض :
هلا نهاك نهاك عن لوم امرئ         لم يلف غير منعم بشقاء
النهى : جمع نهية أي العقل . / يلفى : بمعنى يوجه .(
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه :
وكنا متى يغزو النبي قبيلة       نصل جانبيه بالقنا والقنابل
القنا : الرماح . / القنابل : جماعات الخيل (
وقال أبو تمام :
ولم أرى كالمعروف تدعى حقوقه        مغارم في الأقوام وهي مغانم
) المفارم : جمع مغرم أي ما يلزم أداؤه ./ المغانم : جمع مغنم وهي الغنيمة
وقال :
يمدون من أيد عواص عواصم
                               تصول بأسياف قواض قوا ضب
)عواص : جمع عاصية من عصاه : ضربه بالسيف أو العصا. / عواصم : عصمه وحفظه وحماه ./ قواض : قضى عليه إذا حكم ./   قوا ضب : قضبه : قطعه .
وجاء في إحدى مقامات الحريرى : يا هذا انك حضرت بعد العشاء . ولم يبق إلا فضلات العشاء

3 بلاغة الجناس وجماله :
لا يحسن الجناس إلا ساعد اللفظ المعنى بان يرسل الأديب المعاني على سجيتها فتكتسي من الألفاظ ما يزينها وحينئذ تبعد عن التكلف . ويظهر فيها الالتئام . يقول الجرجاني :
 فانك لا تجد تجنيسا مقبولا . ولا سجعا حسنا حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه . وساقا نحوه . وحتى تجده لا تبتغي به بدلا . ولا تجد عنه حولا . وقد نقل السبكي عن صاحب كنز البلاغة ( . إن أهمية التجنيس هي الميل الىالإصغاء إليه .  فان مناسبة الألفاظ تحدث ميلا . وإصغاء إليها . لأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء المراد به معنى آخر كان للنفس تشوق إليه ... ومن الأسجاع الحسنة :
يقول الشافعي وقد سئل عن النبيذ : اجمع أهل الحرمين على تحريمه
يقول الشاعر العبسي :
ذالكم أن ذل الجار حالفكم           وان أنفكم لا يعرف الأنفا
يقول الآخر :
قد علم القبائل إن قومي          لهم حد إذا لبس الحديد
يقول أبي الفتح البستي :
ناضره فيما جنى ناضراه        أو دعاني أمت بما أودعاني
ناظراه الأولى : فعل أمر من المناظرة أي الجدال
والثانية : العينان . دعاني : فعل أمر بمعنى : اتركاني
أودعاني : من الوديعة
وقد علق عبد القاهر الجرجاني على هذا البيت فقال : إن الشاعر قد أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة . وقد أعطاها . ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها .
ويقول البارودي عن ضجيج أولاد جارة له :
أرى بينهم يافرق الله بينهم         لهيب صياح يصعد الفلك العالي
أما إذا غلب الأديب اللفظ على المعنى . وتطلب الجناس تطلبا فقد ضل سواء السبيل . وخط خط عشوائي وأضاع وقته سدى واعلم أن ظاهرة البديع – وخصوصا السجع والجناس والمقابلة أخذت في الاتساع والشيوع في القرن الثالث الهجري . وكان لأبي تمام الطائي الشاعر العباسي المشهور '' ت :232 هــ ''. اثر كبير في ذالك . حيث بالغ في التأنق والزخرف اللفظي . والتكلف . والتعقيد في بعض الأحيان . ومرد ذالك إلى تأثره الشديد بطريقة مسلم  ت : 208 هـالذي أسهم في شيوع هذه الظاهرة . كما أن أبى تمام كان ملما بثقافة عصره . متأثرا بالفلسفة والمنطق . ومن تكلف أبى تمام قوله في مدح ابن وهب :
 ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت           فيه الظنون أمذهب أم مذهب ؟ 
يقول دكتور شوقي في ضيف شارحا هذا البيت :
ذهبت بمذهبه : غلبت عليه . والتوت : اختلفت . والمذهب : الجنون
. أي انه أسرف عن الكرم حتى قيل : إن ذالك مذهب . وقيل : بل ذالك جنون . كناية عن شدة إسرافه 1
وقال عبد القاهر الجرجاني ناقدا إسراف أبي تمام في البديع : تعسف ما أمكن وتغلغل في التعسف .... فصار هذا الجنس من شعره لا يصل إلى القلب إلا بعد أتعاب الفكر . وكد الخاطر 2
 ومن جناسه المستكره قوله :
فاسلم سلمت من الآفات ما سلمت       سلام سلمى . ومهما أورق السلم
وقد صدق الجرجاني حين قال : ولو انه جرى مع طبعه وجانب التكلف مع معانيه المبتكرة . وأخيلته الجميلة لكان سيد الشعراء غير منازع  3
ـــــــــــــــــــــــ
1 البلاغة تطور وتاريخ : 191.
2 الوساطة : 23.
3 الوساطة : 24 .

الخـــاتـــــمــــة

لقد استمر الجناس في تطور مستمر وأصبح يتسع مع مرور الزمن حيث أن الشعراء والأدباء اعتمدوا عليه نظرا لأهميته إذ انه يضفي عن الكلام جمالا ويكسبه جرسا موسيقيا ويعبر عن إحساس الأديب ويعين على نقل هذا الإحساس لكن يشترط في ذالك أن يأتي الجناس عفوا في غير تكلف ولقد ساعد الكثيرين على نقل رسالاتهم نقلا صحيحا مفهوما بعيدا عن الغموض فأصبح الشاعر لا يستطيع الاستغناء عنه  . فهو مفتاح لغزه الذي يفتح به أبواب التقدم وتصبح له مكانة في قبيلته . ولا يزال الجناس يتقدم ويتطور الىعصرنا هذا

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More